هل نحن في زمن "بحبك يا حمار".. فعلا؟

هل نحن في زمن "بحبك يا حمار".. فعلا؟!





نحن من نصنع الزمن الجميل ونحن من نقلبه رديئا..


1

لا يتعارض ما سبق مع معطيات المراحل المختلفة واستدارة الزمان وتغيره وصيرورته لكنه يفترض أن الأحوال المختلفة -كل الأحوال- كان لها جميعا وجود دائم ومتوازٍ في كل زمان.
فإذا قلنا زمان فإن الذهن يستدعي أشخاصا وأحوالا ومدارات ومهمات وتدابير وتصاريف وتباديل وتوافيق نظنها قد انتهت ومضت وراحت وراحت أيامها ونعبر عنها في أسى وحزن ونحن نمصمص شفاهنا: "كان زمان" في حنين فطري إلى الماضي لا ينفي وجوده أن الماضي دائما هنا!
وأن الحاضر -كما نراه- كان دائما هناك!!
فقط نحن من يريده ماضيا كي يظل في حلته الرسمية التي تزيده بهاءً وجلالا ولا تأخذ من كمال صورته المثالية في أذهاننا.

2

الغناء زمان
السينما زمان
المسرح زمان
الناس زمان
القهاوي زمان
الشوارع زمان
المواصلات زمان
البنات زمان
الأعياد زمان
صلاة الجمعة زمان
القداس زمان
الحياة زمان
الموت زمان!
كلها تنويعات على مقام واحد، مقام يفترض أنه ثمة زمان جميل وثمة زمان رديء، مقام يضع الماضي في المتن ويضع الحاضر في الهامش، مقام "الصبا" بكسر الصاد للزمان وفتحها للشجن.

3

والسؤال:
ألم يكن في هذا الزمان "الجميل" ابتذال في الغناء وتفاهة في السينما وسذاجة وبلاهة في المسرح؟ ألم يكن في ناس زمان الكاذب والمرتشي والنمام وخرب الذمة؟، أكل مقاهي زمان كانت الفيشاوي وريش وقشتمر أم كان بينهم غرز للحشاشين وأرباب السوابق؟........ إلخ القائمة الطويلة التي لن تنتهي لو فتحنا الباب لسخافات "زمان" وتفاهات زمان ومرارة أيام زمان؟!!!

سؤال آخر لا يقل أهمية عن سابقه أليس بيننا من يغنينا فنطرب ويفرحنا فنفرح ويعلمنا فنتعلم؟ هل فقد هذا العالم حلاوته وطلاوته فلم يعد للمزاج الرائق زمان؟، لشهامة أولاد البلد مكان؟، للمقاهي الساهرة على سمار الليالي أوان؟

ولماذا نصرُّ على كونه زمان "بحبك يا حمار" وليس زمان "علي صوتك بالغنا"؟ لماذا نصر على كونه زمان "حاحا وتفاحة"؟ ولا نعده زمان "بحب السيما"؟ لماذا نصر على كونه زمان البودي والجينز ولا نعده زمان الإضرابات والمظاهرات والمطالَبات الدائمة بالحقوق التي غابت والحريات التى سلبت؟

4

نعيب زماننا والعيب فينا وفي حكامنا وفي إعلامنا وفي ضمائرنا وفي اختياراتنا وفي تفضيلاتنا..... وما لزماننا عيب سوانا فما ضن الزمان علينا بما منحه للأجداد في أي زمان من حاضر يستحق أن يكون فيما بعد تاريخا عظيما..

الفارق أنهم وضعوا حاضرهم الجميل في المتن وألقوا بالقبيح في الهامش، بينما وضعنا نحن القبيح في المتن وتباكينا على الجميل المفتقد..
كتبت هذا حين سمعت "علي الحجار" يغني في أحد البرامج الحوارية الجادة.
وسألته المذيعة المتألقة "علا الشافعي" عن أسباب إحباطه وابتعاده لفتره فقال إنه لم يكن يتوقع وهو المطرب الحقيقي الأصيل أن تستمر موجة الغناء الهابط التي بدأت في ثمانينيات القرن الماضي وظن أنها فقاقيع على السطح سرعان ما تختفي لكنها لم تختفِ بل وجدت من يشجعها ويرفعها ويشتري شرائطها وينتج وينفق ويدعم ويتجاوب، ثم أخذت مكانا بجوار الغناء الحقيقي ثم أقصت الغناء الحقيقي عن عرشه وأصبحت هي سيدة الموقف، بعد أن كانت هامشا لا يذكر ولا يلتفت إليه فأحبطت وابتعدت..

ذكرني المطرب الجميل وهو يتكلم بمنطق زملائي في الثانوية العامة حين كنت أناقشهم في سبب شرائهم لشريط مثل "لولاكي" ودعمهم لمنتج فني بهذا المستوى (لاحظ: صار هذا المستوى أفضل بكثير مما يقدم الآن) فكانوا يتذرعون بأنهم لا يستمعونه على سبيل الاستمتاع والطرب وإنما هم يتسلون ولم يكن أحد منهم حينها يدرك أن ثمن تسليته ستدر على منتجي هذه الأنواع الملايين وتشجعهم على إنتاج المزيد..

يمكنك الآن أن تقيس على الموقف السابق موقفنا من كل ما نرفضه في حياتنا المعاصرة ونستدعي نظيره الماضي لنتباكى على الزمن الجميل دون أن يدفعنا رفضه إلى مقاطعته.
قس على ذلك لتعرف من يحول دون عودة الزمان الجميل..
نحن أم هو؟!

مشاركة متميزة